تمر مصر بمرحلة مهمة في سبيل تمكين المصريين من المشاركة في العملية السياسية. ولكي تستطيع مصر أن تحصل على الديمقراطية المنشودة، يجب أن ينعم المواطنون بحق الحصول على المعلومات بالحرية التي تتيح لهم مساءلة الحكومة. في ظل حكم مبارك تمتعت الحكومة بسرية كاملة في تعاملاتها، الأمر الذي أدى بدوره إلى تفشي الفساد في المؤسسات الحكومية مما أدى إلى ضياع كثير من موارد الدولة. إن عدم الإفصاح عن المعلومات يتعارض مع أحد أهم مبادئ الديمقراطية والشفافية. لذلك يجب على مصر أن تفعّل قانون حرية تداول المعلومات الذي يضمن للمصريين القدرة على الوصول للمعلومات الخاصة بتعاقدات الحكومة وكيفية تصرفها في أموال الدولة.
على مدى قرون، كان الرفض هو الأصل عند محاولة الحصول على المعلومات. القانون الذي لا يدعم الشفافية يؤدي إلى فساد لا يمكن السيطرة عليه. ووفقاً لإستطلاع تم إجراؤه قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير بواسطة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، فإن 94% من المصريين يؤمنون بأن الفساد أصبح معضلة حقيقية في مصر، و70% يؤمنون بأن الفساد ازداد تفشيه في السنوات الأخيرة.
عززت تقارير إعلامية هذه التصورات عن فساد مستشرٍ في عقود بيع الأراضي والتراخيص، واختلاسات من قبل أعضاء سابقين في الحكومة كونوا بها ثروات طائلة. لذلك لا مناص من تفعيل قانون حرية تداول المعلومات كوسيلة لخلع جذور الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وللتأكيد على شفافية القرارات التي تأخذها الحكومة، ولتعزيز ثقة المستثمرين في بيئة العمل في مصر والإقتصاد المصري بصفة عامة. وقد قامت أكثر من 90 دولة حول العالم بتشريع قوانين لحماية حرية تداول المعلومات، وأكثر من نصفها تم تشريعها خلال الخمسة عشر سنة الآخيرة. وعلى الرغم من أن الحالة المصرية فريدة بطبيعتها، إلا ان بعض هذه التطبيقات قد يقدم دروساً مهمة لمصر.
وعلى سبيل المثال، فقد آثرت بعض الدول استثناء بعض الهيئات الحكومية من القانون وإخضاع بعض مستويات المعلومات تحت هذا الإستثناء، والتجربة الهندية على سبيل المثال تعلمنا أن استثناء بعض الهيئات الحكومية بصفة كاملة من القانون له نتائج غير مرغوب فيها و قد يؤدي إلى إخفاء معلومات قد تعين على كشف قضايا فساد. لقد استثنى قانون حرية تناقل المعلومات الهندي وكالتي المخابرات والأمن بهدف الحفاظ على سرية معلومات تتعلق بالأمن القومي. في المقابل، تعسفت الحكومة الهندية في استعمال هذا الإستثناء عندما حاول أحد النشطاء الحصول على معلومات تتعلق بكشف ممارسات فساد بالمكتب المركزي للتحقيقات الهندي، وعلى الرغم من عدم تعلق المعلومات بالأمن القومي إلا أن الطلب قوبل بالرفض.
على مصر أن تتعلم من التجربة الهندية أن استثناء بعض الهيئات الحكومية من قانون تداول المعلومات يمثل خطراً على محاربة الفساد.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على مصر أن تخضع الهيئات غير الحكومية التي تقوم بأعمال عامة لهذا القانون. ولأن كثيراً من الشركات الخاصة تدخل في تعاقدات مع الحكومة لتنفيذ بعض المشروعات، فإن إخضاع هذه الشركات للقانون ضروري من أجل الحصول على الشفافية المطلوبة. ويرى البعض أن إخضاع مثل هذه الشركات الخاصة للقانون قد يؤثر على قدرة جذب استثماراتها بسبب التكلفة التي ستتحملها في سبيل الكشف عن المعلومات. ولذلك، فإن على المصريين أن يقارنوا بين المميزات العظيمة المترتبة على تقليل الفساد ومحاربته، الأمر الذي يساعد بدوره على جذب المستثمرين، وبين الأثار السلبية المترتبة على إجبار الشركات الخاصة على إنشاء سجلات لتسجيل المعلومات.
من أجل الحصول على ثقة أكبر في الحكومة، على البرلمان المصري أن يطالب السلطة التنفيذية بالعمل طواعية على نشر أكبر عدد ممكن من المعلومات للمواطنين. في خضم هذه المعلومات، يجب توفير أكبر عدد ممكن من المعلومات المتعلقة بأنشطة وإجراءات عمل الأجهزة الحكومية، وقوائم وسجلات، وقواعد بيانات، ومعلومات عن الميزانية. كما يجب أن تعلن المرتبات والمميزات التي يحصل عليها المسؤولون الحكوميون للرأي العام.
نشر المعلومات يجب أن يكون مصمماً بطريقة تتيح للمصريين الوصول إليها بسهولة. التجربة المكسيكية مفيدة في هذا الشأن، فعلى الرغم من أن المكسيك تعاني من معدل تحصيل(القدرة على القراءة والكتابة) يبلغ 93%، ومعدل استخدام لشكبة الإنترنت يبلغ40%، إلا أن السماح بالكشف عن المعلومات يتم عن طريق إستخدام مواقع الإنترنت بطريقة رخيصة وفعالة. وبالرغم من أن معدل التحصيل (القدرة على القراءة والكتابة) في مصر يبلغ 66%، ومعدل استخدام الإنترنت يصل إلى 26% إلا أن 60% من المصريين، ممن هم دون سن الثلاثين وأصغر، قادرون على استخدام الإنترنت بصورة تزايدت خلال الثورة من خلال فيس بوك وتويتر. لهذا السبب، فإن توفير المعلومات عن طريق الإنترنت قد يكون مؤثراً، لا سيما أن مصر تعمل على تصميم برامج تساعد على توسيع رقعة استخدام الإنترنت في جميع أنحاء الجمهورية.
من السهل جعل قوانين حرية تداول المعلومات عديمة الفائدة عن طريق وضع استثناءات عديدة على القانون. لذلك يجب أن تقيد الإستثناءات وتقلل بقدر المستطاع لتجنب التحايل من قبل الهيئات الحكومية. إن وضع استثناءات بطريقة ضعيفة قد يؤدي إلى المغالاة في إخضاع بعض المعلومات للإستثناء مما قد يؤدي إلى ترك مصر في غياهب تعاقدات الحكومة. لذلك عندما يؤدي الكشف عن المعلومات إلى الإضرار بمصالح الآخرين، مثل قضايا الأمن القومي و المصالح الشخصية، يجب في هذه الحالة تغليب حماية هذه المعلومات على حق الرأي العام في التعرف عليها.
بدون وجود رقابة مستقلة، فإن قانون حرية تداول المعلومات سيكون ضعيفاً. سيؤدي إنشاء آلية رقابية مكونة من ثلاث مراحل إلى تقوية قوانين المعلومات، ومن ثم تؤدي إلى التغلب على عدم كفاءة الأداء الحكومي، وتقليل الفساد، إضافة إلى تعزيز الثقة في الحكومة. تعتمد الرقابة على ثلاثة مستويات: على مراجعة من قبل مسؤول داخل المؤسسة أو الجهة التي تحمل المعلومات في المستوى الأول. ثم هناك مرحلة متوسطة عن طريق جهاز مستقل يراقب أداء هذه العملية، مثل جهاز للمعلومات، وفي النهاية هناك رقابة قضائية تعمل على التأكد من خلو العملية من أي فساد أو عدم إلتزام من قبل الجهة المتعلق الأمر بها قانونياً. إن المصريين يملكون الحق في معرفة معلومات عن حكوماتهم. وتقنين حرية تداول المعلومات لن يعمل فقط على زيادة مشاركة المصريين للحكومة بل سيؤدي إلى وضع مصر على المسار الحقيقي لدولة عادلة ومزدهرة.